تأليف : بهن شوكهي ترجمة : بشار حلومي الأسعار بريال العماني🇴🇲


7 

المزيد من التفاصيل


رابعة العدويَّة، أو شهيدةُ الحبِّ الإلهيِّ كما شاعَ عنها في الرِّوايات، شاعرةٌ وفيلسوفةٌ ومتصوِّفة، وُلِدت في البصرة نحو عام مئةٍ للهجرة، وتوفِّيت عام مئةٍ وثمانين للهجرة، ولدت لأبٍ عابدٍ زاهد، وحين ولادتها كانَ والدُها ينتظرُ مولوداً ذكراً لكنَّها أتتْ أنثى، فكانت الأنثى الرَّابعة بعد ثلاثِ فتياتٍ، لذك بقيت من دون تسميةٍ، لم يُطلقْ عليها والدُها اسماً، فأصبح يُنادى عليها (رابعة)؛ أي البنت الرَّابعة.

توفِّي والدُها وهي طفلةٌ دون العاشرة، وحين دبّ الجفافُ والقحطُ والوباءُ في البصرة، وليس هناك من معيلٍ، وبحسبِ إحدى الرِّوايات، فقد انتشرَ اللُّصوص وقُطَّاع الطرق، وتمَّ اختطافُ رابعة من قبلِ بعضهم، وبِيعت مقابلَ ستَّة دراهمَ لأحد التُّجار البصريين، وكان قاسيَ القلبِ فأذاقها صنوفَ العذاب.

فيما يذكرُ فريدُ الدين العطَّار في كتابه (تذكرة الأولياء) أنَّ والداها تُوفِّيا وهي دون العاشرة، فأصبحت الفتياتُ يتيماتٍ بلا معيلٍ يعينهنّ على الحياةِ والقحطِ والمجاعةِ التي دبَّت في البصرة، ولم يترك لهنّ والدهنَّ شيئاً سوى قاربٍ ينقلُ النَّاس بدراهمَ معدودةٍ، فكانت رابعة تخرجُ للعمل مكان والدها وهي صغيرة، وحين تعودُ تغنّي لتروّح عن نفسها، إذ امتلكتْ صوتاً جميلاً فريداً.

صوَّرت بعضُ الرِّوايات نشأةَ رابعة على أنها فتاةٌ لاهية، تعلَّقت بالشهوات وحبِّ الدنيا قبل أن يتحوَّل مجرى حياتِها إلى التصُّوف والذِّكر وعبادةِ اللهِ والانقطاعِ لهُ، لكنَّ رواياتٍ أخرى تنفي هذا جملةً وتفصيلاً؛ إذ إنَّها نشأت في بيئةٍ إسلاميّة صالحةٍ، وحفظت القرآن وتدبَّرت آياتِه، ويُقال إنّها رفضت بشدَّةٍ الزَّواج.

 واختلافُها عن الصوفيين الزُّهادِ والنُّساكِ ممن سبقوها يعودُ إلى أنّها كانت تنقطعُ لله بدافعِ الحبِّ الخالص غيرِ المشروط بشيءٍ أبداً سوى الحبّ.

اختلفتِ الرِّوايات أيضاً في تاريخِ وفاتِها ومكانِ قبرها، فقد قيلَ إنَ وفاتَها كانت عام مئةٍ وخمسةٍ وثلاثين للهجرة، وينفي المستشرقُ لويس ماسنيون هذه الرِّوايةَ، ويقتربُ من الاتِّفاق مع روايتين تقاربَتا في تحديدِ تاريخِ الوفاةِ؛ روايةٌ قالت عامَ مئةٍ وثمانينَ وأخرى عامَ مئةٍ وخمسةٍ وثمانينَ للهجرة. كما اختُلِف أيضاً في مكان القبر، فقيل إنه في القدس على جبلٍ يُسمَّى طور زيتا، وقيلَ أيضاً إنَّه بالبصرة.

ومهما يكن من رواياتٍ، فإنَّ لروايةِ (المرآة) عن رابعة العدويَّة، لمؤلفها الكاتب الأسترالي بهمن شكوهي ومترجمها الدكتور بشار سلمان حلوم، رأيٌ آخر في حكايةِ رابعة العدويَّة وحياتِها؛ فهي روايةٌ تاريخيَّةٌ تتبَّعُ حياةَ شهيدةِ الحبِّ الإلهيِّ منذُ أنْ كانت طفلةً وقد أحاطَ الفقرُ والقحطُ بأهلِها، وتفرَّقتِ العائلةُ برَّاً وبحراً، ثمَّ انتقالَها إلى البصرةِ جاريةً صغيرةً، وكيف نَالَتْ حريَّتَها، وأصبَحتْ مغنيةً ذاعَ صيتُها وكثُر حُسَّادُها.

 وفي البصرةِ كانت انطلاقتهُا ومغامراتُها، حيث التقتْ للمرَّةِ الأولى بالحسنِ البصريِّ؛ الذي غيَّر مجرى حياتِها، فتأثَّرتْ به غايةَ التَّأثُر، ومنهُ تعلَّمتْ حديثَ المرايا وصيامَ الصَّمتِ أمام عجائبِ خلقِ الله. ولقاؤُها الأسطوريُّ الخياليُّ مع الحكيمِ عمر الخيَّام. ومن البصرةِ شدَّت رحالَها الصوفيَّة إلى مكَّةَ حيثُ كعبةُ الوالهين.

 وفي الرِّواية نوافذُ على الأوضاعِ الدينيَّةِ والسِّياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ والاجتماعيَّةِ في تلكَ الفترةِ من عهدِ الدَّولةِ الأمويَّةِ، وثورةُ الزَّيديَّةِ، وحديثٌ عن الحبِّ البشريِّ والإلهيِّ، وكلامٌ عن الظُّلمِ والسُّلطةِ، والوفاءِ والخيانةِ، والتَّأمُّلِ في آياتِ الله عبرَ مرايا العِشق.