1 قراءة دقيقة
17 Jan
17Jan

تشبه الصداقات الكتب. يفتن بعضنا بالكتب التي تقول له ما يرضيه أن‏يقرأه، تأكيدا على رؤيته للعالم. يفتن بعضنا بالكتب التي تكشف له عالما لم‏يكن يعتقد أنه موجود. يفتن بعضنا بالكتب التي تتحدى رؤيته. بعضنا يحب‏الشعر، آخرون يحبون علم النفس أو الفلسفة أو الروايات.

‏نحن لسنا مسؤولين عن فراغنا ، لكننا مسؤولون عن حيزنا الواقعي ، ألا نخدع أحد ، ولا نوهمه ، أن نكون صرحاء ووقحين دوما، ونشير بأيدينا الى هذا الفراغ لتحذير الناس منه !

نحتاج إلى الكثير من الجهد لنحاول الاستماع للآخرين، ولا علينا إن فشلنا؛‏فالفشل ضمني في كل تلك المحاولات. لكن المحاولة بذاتها هي كل ما نملكه، وهي‏أمر غالبا ما يلحظه الآخرون وإن لم يفهموه تماما.

في كل علاقة بشرية، يجب أن يكون وعد ما. الوحدة تُحيل هذا الوعد‏إلى محض أمنية خلاص فردية، محاولة تشبث بالآخرين كطوق نجاة، دون‏أن تمنحهم أي شيء في المقابل، أمنية تحكم على نفسها بالاستحالة؛ لأنها لا‏تجيد الاستماع للآخرين.

أن اللغة بالفعل تضح وتشفر، لكن ليس لأننا‏نشفر حديثنا عمدا بالضرورة، إنها توضح وتشفر رغما عنا، ولذلك يستوي‏موقفنا من تشفير الكلام مع موقف السامع، نحن الاثنان أمام شفرة، غير‏مفهومة

،الشفرة التي ننطق بها ليست شيئا مشاعا، صحيح، وهي إلى حد ما *‏شفرتنا نحن، ولكننا نحتاج نحن أنفسنا إلى وقت كاف للتحدث حتى نعلم‏بالضبط عن ماذا نتحدث، نحن نكتشف ما نود قوله حين نتكلم أكثر، حين‏نتمكن تدريجيا من فك شفرات مشاعرنا،

وربما يصادف أن نلتقي بمن يفك‏شفرتنا قبل أن نفكها نحن؛ فاللغة تكشف أحيانا ما لا نود كشفه.‏دعني أوضح هنا أنني لا أقول إن كلماتنا هي نتيجة خالصة لسياقها (لأن‏السياق نفسه شفرة بدوره، ضمن شفرات متعددة)،

ولكن أقول إنها تعبر عنا‏بالضبط كما تعبر أحلامنا، بتعبير آخر: نحن لا نستيقظ أبدا من الحلم .

كل الكلام مُعاد ، ولو لم يُعَد لنفد …‏الأصدقاء هم من يستطيعون سماع صمت أصدقائهم.

أن أحد أسباب أزمة التواصل البشرية أننا لا نعيش في اللحظة‏نفسها، يوجد دائما فرق بين الزمن الحالي بالنسبة إلي، والزمن الحالي بالنسبة‏إليك. لا يقتصر الأمر فقط على أننا نعرف تحديثات العالم بشكل غير متزامن،‏ومن ثم نتحرك دائما في عالم مختلف؛ فهذه مسألة قد حلتها جزئيا الهواتف‏الحديثة،

ولكن أيضا لأننا نتحرك بسرعات مختلفة، بحسب ما يتوقع عقلنا‏صورة العالم بعد لحظة، بعضنا يؤهل نفسه على العالم كما سيحدث بعد يوم،‏بعضنا ما زال لم يجر تحديثات في عقله للعالم، حتى مع توافر المعلومات،‏منذ عامين، هذا أمر نسبي وذاتي تماما، ليس الأمر أنه ليس هناك «واقع»‏حقيقي مشترك،

فهناك «واقع» حقيقي مشترك نتحرك فيه، ولكن هذا الواقع‏لا يمكن بلوغه إلا باللغة والمجازات، بعض المجازات أكثر فعالية من غيرها‏في لحظات ما، ثم تجيء مجازات أخرى أكثر فعالية منها.

بلال علاء

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.