تشبه الصداقات الكتب. يفتن بعضنا بالكتب التي تقول له ما يرضيه أنيقرأه، تأكيدا على رؤيته للعالم. يفتن بعضنا بالكتب التي تكشف له عالما لميكن يعتقد أنه موجود. يفتن بعضنا بالكتب التي تتحدى رؤيته. بعضنا يحبالشعر، آخرون يحبون علم النفس أو الفلسفة أو الروايات.
نحن لسنا مسؤولين عن فراغنا ، لكننا مسؤولون عن حيزنا الواقعي ، ألا نخدع أحد ، ولا نوهمه ، أن نكون صرحاء ووقحين دوما، ونشير بأيدينا الى هذا الفراغ لتحذير الناس منه !
نحتاج إلى الكثير من الجهد لنحاول الاستماع للآخرين، ولا علينا إن فشلنا؛فالفشل ضمني في كل تلك المحاولات. لكن المحاولة بذاتها هي كل ما نملكه، وهيأمر غالبا ما يلحظه الآخرون وإن لم يفهموه تماما.
في كل علاقة بشرية، يجب أن يكون وعد ما. الوحدة تُحيل هذا الوعدإلى محض أمنية خلاص فردية، محاولة تشبث بالآخرين كطوق نجاة، دونأن تمنحهم أي شيء في المقابل، أمنية تحكم على نفسها بالاستحالة؛ لأنها لاتجيد الاستماع للآخرين.
أن اللغة بالفعل تضح وتشفر، لكن ليس لأننانشفر حديثنا عمدا بالضرورة، إنها توضح وتشفر رغما عنا، ولذلك يستويموقفنا من تشفير الكلام مع موقف السامع، نحن الاثنان أمام شفرة، غيرمفهومة
،الشفرة التي ننطق بها ليست شيئا مشاعا، صحيح، وهي إلى حد ما *شفرتنا نحن، ولكننا نحتاج نحن أنفسنا إلى وقت كاف للتحدث حتى نعلمبالضبط عن ماذا نتحدث، نحن نكتشف ما نود قوله حين نتكلم أكثر، حيننتمكن تدريجيا من فك شفرات مشاعرنا،
وربما يصادف أن نلتقي بمن يفكشفرتنا قبل أن نفكها نحن؛ فاللغة تكشف أحيانا ما لا نود كشفه.دعني أوضح هنا أنني لا أقول إن كلماتنا هي نتيجة خالصة لسياقها (لأنالسياق نفسه شفرة بدوره، ضمن شفرات متعددة)،
ولكن أقول إنها تعبر عنابالضبط كما تعبر أحلامنا، بتعبير آخر: نحن لا نستيقظ أبدا من الحلم .
كل الكلام مُعاد ، ولو لم يُعَد لنفد …الأصدقاء هم من يستطيعون سماع صمت أصدقائهم.
أن أحد أسباب أزمة التواصل البشرية أننا لا نعيش في اللحظةنفسها، يوجد دائما فرق بين الزمن الحالي بالنسبة إلي، والزمن الحالي بالنسبةإليك. لا يقتصر الأمر فقط على أننا نعرف تحديثات العالم بشكل غير متزامن،ومن ثم نتحرك دائما في عالم مختلف؛ فهذه مسألة قد حلتها جزئيا الهواتفالحديثة،
ولكن أيضا لأننا نتحرك بسرعات مختلفة، بحسب ما يتوقع عقلناصورة العالم بعد لحظة، بعضنا يؤهل نفسه على العالم كما سيحدث بعد يوم،بعضنا ما زال لم يجر تحديثات في عقله للعالم، حتى مع توافر المعلومات،منذ عامين، هذا أمر نسبي وذاتي تماما، ليس الأمر أنه ليس هناك «واقع»حقيقي مشترك،
فهناك «واقع» حقيقي مشترك نتحرك فيه، ولكن هذا الواقعلا يمكن بلوغه إلا باللغة والمجازات، بعض المجازات أكثر فعالية من غيرهافي لحظات ما، ثم تجيء مجازات أخرى أكثر فعالية منها.
بلال علاء